عندما ثارت الفتنةُ ضد الخليفة عثمانَ t، وبدا واضحًا أنَّ هؤلاء المجرمين يتربصون به ويسعون لقتله، عرض عليه معاويةُ t أن يرسلَ جيشًا من الشام كي يحميه ويحمي المدينة، فرفض حضرته ذلك، وقال إنه لا يريد أن يُضيّق على أهلِ المدينةِ بمساكنةِ جيشٍ لهم يقاسمهم أقواتهم؛ حتى وإنْ كان هذا الجيشُ سيحميهِ ويحمي الخلافةَ!
وعندما نزلَ المجرمونَ بالمدينة، وحاصروا الخليفةَ، وآذوه حتى منعوا عنه الماء، هبّ الصحابة لكي يدافعوا عن خليفتهم؛ وهم الشجعان الذين عركتهم الشدائدُ، وأثبتوا بسيرتهم مع النبي r أنهم قادرون على التعامل مع وضعٍ كهذا، رفض حضرته أن يقوموا لمقاتلة هؤلاء حرصًا عليهم؛ موضحا لهم مرارًا أنَّ هؤلاء المجرمين يريدونه هو وحسب، ولا يريد أن تُسفك دماؤهم دونه.
كانَ مطلبُ المجرمين أن يتنازل عن الخلافة إنْ أراد أن يصونَ دمه، فرفض ذلك بشدة، وأكّد أنه لن يخلعَ قميصًا ألبسه الله تعالى إياه. وهذا يدل على أنه كان صلب العزيمة، وأنَّ موقفَه وأوامرَه للصحابة، لم تكنْ إلا من بابِ حقنِ ما استطاع من الدماء؛ ما دام هو الوحيدُ المستهدَف.
وحدثتْ الجريمةُ، واستُشهد عثمان t، ونجح بثباته على موقفه في الحفاظ على مقام الخلافة شامخًا، وأفشل بصلابة موقفه كيدَ المجرمين الذين أرادوا العبث بالخلافة، بل فرَّوا مذعورين بعد ارتكاب جريمتهم؛ مهزومين بعزيمة عثمان العظيم t.
وهكذا فقد ضرب لنا حضرة عثمان t المثل في المقاومة؛ تلك المقاومة القائمة على تعاليم الإسلام، والتي أحسن تنفيذها ذلك الخليفة الراشد والصحابي الجليل. هي المقاومة التي لا تتنازل عن المبادئ، ولكنها لا تُعرض أمن الناس للخطر، ولا تضيّق عليهم حياتهم وأقواتهم بحجة الحفاظ على المبادئ. هي المقاومة التي جعلت العدو في حيرة من استقامتها وهزمته ولم تتح له أن يستبيح الحرماتِ ويمعنَ في الناسِ قتلا وإيذاءً.
فأين موقفُ حضرة عثمانَ t من موقف أدعياء المقاومة حاليا الذين جعلوها دينًا، ورفعوها فوق كل المقدسات، وأباحوا من أجلها الحرمات؟ حيث نراهم ب