تعلن السلفية منهجها: "القرآن والسنَّة بفهم سلف الأمة". وفي هذا الشعار إشكالات كثيرة وتناقضات داخلية، إضافة إلى التناقض مع ادعاءاتهم الأخرى.
فهذا الشعار بداية بدعة لا دليل عليها؛ وهم من يقولون أنهم يحاربون البدع ويتمسكون بالدليل! فأين دليله في القرآن أو في السنة؟
ثم إن هذا الشعار يعني أن للقرآن وللسنَّة أفهاما كثيرة، وهم اختاروا فهم سلف الأمة تحديدا؛ وهذا يعني ألا فائدةَ من القرآن والسنة وحدهما، والذي يقرأ القرآن ويحاول تتبع السنة سيقع في الخطأ لا محالة، وسيفهم أفهاما تورده الهلاك، ما دام لم يهتدِ إلى فهم سلف الأمة!
ثم هذا يعني عمليا أن فهم سلف الأمة قاضٍ على القرآن والسنة؛ أي مقدمٌ عليهما. وهكذا سيصبح قولهم هم وغيرهم من أهل الحديث بأن السنَّةَ قاضيةٌ على القرآن العظيم القطعي اليقيني قولا ناقصا؛ حيث يجب أن يردفوه بالقول: وفهمُ السلف قاضٍ على كليهما!
ثم إن هذا يعني أن السلفَ استطاعوا التعبير عن مرادهم بكلماتٍ واضحاتٍ لا لبْس فيها، وأدوا مهمتهم في نقل أفهامهم وتفهيمِ مَنْ لا يفهمُ بطريقةٍ عجز عنها الله تعالى في قرآنه ورسولُهُ r في سنته وبيانه - والعياذ بالله - وكان تعبيرهم من القوةِ والوضوحِ بحيث وصل إلى المتأخرين كاملا غير منقوص! فلماذا لم يُفهمِ اللهُ مرادَه في قرآنه، ولماذا لم يقم النبي r بمهمته في التبيين في سنته وحديثه والتفهيم بكلام واضح ٍمبينٍ يصلحُ لأن يُنقل للمتأخرين؟!
ثم أين نجد فهم سلف الأمة القيّم هذا الذي هو في تلك المنـزلة؟ ألا ينبغي أن يكون قطعيا يقينيا لا خلاف فيه كي يحلّ لنا معضلات القرآن حمّال الأوجه الذي لا يُعرف ناسخه من منسوخه عندهم، ومشكلات السنة، التي هي الحديث في ظنهم، الذي إن صح منه شيء فإنه مبهمٌ، بحيث يحتاج إلى فهم سلف الأمة لكي يُفهم!
الواقع أن هذا الفهم المزعوم، الذي جُعل حكما على القرآن والسنة، ما هو إلا وهم هلامي كبير من الصعب إدراك شيء منه. ومجرد التفكير في البدء في رحلة البحث عن هذا الوهم ستكون الخطوة الأولى في اتخاذ القرآن مهجورا والابتعاد عن سنة النبي r.
وقد ذكرنا بداية أن هذا الشعار بدعة لم ينصَّ عليها قرآنٌ ولا سنَّةٌ، وهذا لا يثبت بخلو القرآن والسنة من دليل عليه فحسب، بل لأنه يستحيل منطقيا أن يكون هذا شعار الإسلام في زمن النبي r. فهذا الشعار لا يصلح في زمن النبي r ولا في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، لأن مصدر الدين في ذلك الوقت كان القرآن والسنة وحدهما، ولم يكن للصحابة سلفٌ يتكئون على أفهامهم!
ثم لو نصّ القرآن أو النبي r على شيء من هذا فهذا يعني أن القرآن يحكم على نفسه بالنقص ويصبح إعلانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَام